كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال أبو نعيم: وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد نحوه مختصرا، وله من حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال: «بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة، أراه الله رؤيا في المنام فشق ذلك عليه، ورأى أنه بينما هو بمكة أتى إلى سقف بيته فنزع شبحة شبحة حتى إذا نزل أدخل فيه سلم من فضة فيما يخيل إليه، ثم نزل إليه رجلان، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأردت أن أستغيث فحبساني مكاني ومنعت الكلام، فقعد أحدهما إليّ والآخر إلى جنبي وأنا فرق، فأدخل أحدهما يده في جنبي فنزع ضلعين منه كما ينزل علق الصندوق الشديد، فأدخل يده في جوفي وأنا أجد بردها، فأخرج قلبي فوضعه على كفه وقال لصاحبه، نعم القلب، وقال: قلب رجل صالح، ثم أدخلا القلب مكانه وردا الضلعين كما يرد علق الصندوق الشديد، ثم ارتفعا ورفعا سلمهما فاستيقظت فإذا السقف كما هو فقلت يحلم، وذكره النبي صلّى الله عليه وسلّم لخديجة بنت خويلد فعصمها الله من التكذيب وقالت: أبشر! فو الله لا يفعل الله بك إلا خيرا، وأخبرها أنه رأى بطنه طهر وغسل ثم أعيد كما كان، فقالت: هذا والله خير فأبشر، ثم استعلن له جبريل وهو بأفلاء مكة من قبل حراء فوضع يده على رأسه وفؤاده وبين كتفيه وقال له: لا تخف! أنا جبريل، وأجلسه معه على مجلس كريم كهيئة الدر، نوره فيه الياقوت واللؤلؤ، فبشره برسالات الله حتى اطمأن إلى جبريل ثم قال: اقرأ، قال: كيف أقرأ؟ قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إلى قوله: {ما لَمْ يَعْلَمْ} ، فأبدى له جبريل نفسه، له جناحان من ياقوت يخطفان البصر، ففتح جبريل عينا من ماء فتوضأ، ومحمد ينظر إليه فوضأ وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ونضح فرجه وسجد سجدتين مواجه البيت، ففعل محمد صلّى الله عليه وسلّم كما رأى جبريل يفعل، وقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رسالة ربه، وسألها الله بحقها، واتّبع الّذي نزل به جبريل من عند رب العرش العظيم، فلما قضى جبريل الّذي أمره به، انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يمر على حجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله، فرجع إلى بيته وهو مؤمن قد رأى أمرا عظيما، فلما دخل على خديجة أخبرها، قال: أرأيتك الّذي كنت أخبرتك أني رأيته في المنام؟ فإنه جبريل قد استعلن لي، أرسله إليّ ربي عزّ وجلّ، أخبرها بالذي جاءه من الله وسمع فقالت: أبشر، فو الله لا يفعل الله بك إلا خيرا، فاقبل الّذي أتاك من الله فإنك رسول الله حقا، ثم انطلقت حتى أتت غلاما لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس- نصرانيا من أهل نينوى يقال له: عداس- فقالت: يا عدّاس أذكرك باللَّه، هل عندك من جبريل علم؟ فلما سمعها: عداس تذكر جبريل قال: قدوس قدوس، ما شأنه يذكر بهذه الأرض التي أهلا أهل الأوثان؟ قالت: أحب أن تحدثني فيه بعلمك، قال: فإنه أمين الله بينه وبين النبيين، وهو صاحب عيسى وموسى عليهما السلام.
رجعت خديجة من عنده فأتت ورقة ابن نوفل، وكان ورقة قد كره عبادة الأوثان هو وزيد بن عامر بن نفيل، وكان زيد قد حرم كل شيء حرمه من الدم والذبيحة، على النصب، وكل شيء من أبواب الظلم في الجاهلية، فلما وصفت خديجة لورقة حين جاءته شأن محمد صلّى الله عليه وسلّم وذكرت له جبريل وما جاء به من عند الله إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لها: يا ابنة أخي! والله ما أدري لعل صاحبك الّذي ينتظره أهل الكتاب الّذي يجدونه مكتوبا في الإنجيل، وأقسم باللَّه إن كان إياه ثم دعا إلى الله وأنا حيّ لأبلين الله في طاعة رسوله وحسن المؤازرة والنصرة له، فمات ورقة»
.
ورواه من طريق محمد بن فليح عن موسى بن عقبة بمعنى حديث عروة بن الزبير من طريق محمد بن عبد الأعلى عن معتمر بن سليمان عن أبيه بأتم من روايتي عروة وموسى بن عقبة وأحسن، فقد اختلفت الروايات في نزول أول سورة من القرآن على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ذكر الاختلاف في أول سورة من القرآن أنزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
خرج البخاري في كتاب التفسير من حديث وكيع عن على بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 74: 1، قلت: يقولون: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} 96: 1 فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن ذلك وقلت له مثل الّذي قلت، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا، فأتيت خديجة فقلت: دثّروني وصبّوا عليّ ماء باردا، فدثّروني وصبّوا عليّ ماء باردا، فنزلت: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} 74: 1- 3، وكرره غير مرة. وخرجه مسلم من حديث الأوزاعي قال: سمعت يحيى يقول: سألت أبا سلمة أي القرآن أنزل قبل؟ قال: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 74: 1 فقلت: {اقْرَأْ} 96: 1؟ فقال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا، ثم نوديت، فنظرت فلم أر أحدا ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء- يعني جبريل عليه السلام- فأخذتني رجفة شديدة فأتيت خديجة فقلت: دثروني، فدثروني وصبوا عليّ ماء، فأنزل الله عزّ وجلّ: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ}».
أما قوله: إن أول ما أنزل قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 74: 1، فهو ضعيف بل باطل، والصواب أن أول ما أنزل على الإطلاق: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} 96: 1، كما صرح به في حديث عائشة رضي الله عنها، وأما {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 74: 1 فكان نزولها بعد فترة الوحي، كما صرح به في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر، والدلالة صريحة فيه في مواضع، منها قوله وهو يحدث عن فترة الوحي إلى أن قال: فأنزل الله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 74: 1، ومنها قوله: ثم تتابع الوحي- يعني بعد فترته- فالصواب: أن أول ما نزل: اقْرَأْ 96: 1، وأن أول ما نزل بعد فترة الوحي: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 74: 1. وأما قول من قال من المفسرين: أول ما نزل الفاتحة، فبطلانه أظهر من أن يذكر. والله أعلم.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فاستبطنت الوادي»، أي صرت في باطنه، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في جبريل عليه السلام: «فإذا هو على العرش في الهواء»، المراد بالعرش الكرسي، كما تقدم في الرواية الأخرى «على كرسي بين السماء والأرض»، قال أهل اللغة: العرش هو السرير، وقيل: سرير الملك.
قال الله تعالى: {وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ} 27: 23 [الآية 23 النمل]، والهواء هنا ممدود يكتب بالألف، وهو الجو بين السماء والأرض كما في الرواية الأخرى، والهواء: الخالي، قال تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواء} [الآية 43 إبراهيم].
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فأخذتني رجفة شديدة»، هكذا هو في الروايات المشهورة رجفة: بالراء، قال القاضي: ورواه السمرقندي وجفة: بالواو وهما صحيحان متقاربان، ومعناهما: الاضطراب.
قال الله تعالى: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ} 79: 8 [الآية 8 النازعات]، وقال تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} 79: 6 [الآية 6 النازعات]، وقال تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ} 73: 14 [الآية 14 المزمل].
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فصبوا على ماء»، فيه أنه ينبغي أن يصب على الفزع الماء ليسكن فزعه. والله تعالى أعلم.
وأما تفسير قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 74: 1، فقال العلماء: المدثر، والمتلفف، والمشتمل، بمعنى واحد، ثم الجمهور على أن معناه المدثر بثيابه. وحكى الماوردي قولا عن عكرمة أن معناه المدثر بالنّبوّة وأعبائها.
وقوله تعالى: {قُمْ فَأَنْذِرْ} 74: 2، معناه حذّر العذاب من لم يؤمن، {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} 74: 3 أي عظمه ونزهه عما لا يليق به، {وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ} 74: 4 قيل معناه طهرها من النجاسة، وقيل قصّرها، وقيل:
المراد بالثياب النفس، أي طهرها من الذنب وسائر النقائص. {وَالرُّجْزَ} 74: 5 بكسر الراء في قراءة الأكثرين، وقرأ حفص بضمها، وفسره في الكتاب الأوثان، وكذا قاله جماعات من المفسرين. والرّجز في اللغة العذاب، وسمّي الشرك وعبادة الأوثان رجزا لأنه سبب العذاب، وقيل: المراد بالرجز في الآية الشرك، وقيل: الذنب وقيل: الظلم. والله أعلم. مسلم بشرح النووي: 2 565- 567، كتاب الإيمان باب (73) حديث رقم (257).
وفي لفظ له: فإذا جبريل جالس بين السماء والأرض، وفي لفظ البخاري: فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض. وخرج الحاكم من حديث الحميدي، حدثنا سفيان عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: أول سورة أنزلت: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ من عَلَقٍ} 96: 1- 2 إلى {ما لَمْ يَعْلَمْ} 96: 5.
ذكر الاختلاف في شق صدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، متى كان وأين وقع؟
اعلم أن شق صدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وغسل قلبه وحشوه بالإيمان والحكمة.
قال الله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} 94: 1، قال إبراهيم بن طهمان: سألت سعيدا عن قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} 94: 1 قال: فحدثني عن قتادة عن أنس بن مالك أنه قد شق بطنه- يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم- من عند بطنه إلى صدره، فاستخرج قلبه فغسل في طست من ذهب ثم مليء إيمانا وحكمة ثم أعيد مكانه، قد روى من وجوه باختلاف الأماكن والأيام، فروى أن ذلك وقع وهو مسترضع في بني سعد كما تقدم ذكره عند ذكر حليمة في فصل أمهاته من الرضاعة، وقيل وقع ذلك في موضع آخر في زمان آخر، فروى أنه أعيد له شرح الصدر بعد أن تم له عشر سنين.
وقد أخرج في الصحيحين أنه شق صدره ليلة المعراج، وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث معاذ بن محمد بن معاذ بن محمد بن أبيّ بن كعب قال حدثني أبي عن أبيه عن جده أبيّ بن كعب أن أبا هريرة سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وكان حريّا أن يسأله عن الّذي لا يسأله غيره- فقال: يا رسول الله! ما أول ما ابتدئت به من أمر النبوة؟ فقال: إذا سألتني إني لفي صحراء أمشي ابن عشر حجج، إذا أنا برجلين فوق رأسي، يقول أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم، قال: فأخذاني فلصقاني بحلاوة القفا، ثم شقا بطني، وكان جبريل يختلف بالماء في طست من ذهب، وكان ميكائيل يغسل جوفي، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فإذا صدري فيما أرى مفلوقا لا أجد له وجعا ثم قال: اشقق قلبه، فشق قلبي، فقال أخرج الحسد والغل منه، فأخرج شبه العلقة فنبذ به ثم قال: أدخل الرأفة والرحمة قلبه، فأدخل شيئا كهيئة الفضة، ثم أخرج ذرورا كان معه فذرّ عليه ثم نقر إبهامي ثم قال: أغد، فرجعت بما لم أغد به من رحمتي على الصغير ورقتي على الكبير. قال: أبو نعيم: وهذا الحديث مما تفرد به معاذ ابن محمد عن آبائه، وتفرد بذكر السن الّذي شق فيه عن قلبه والّذي رواه عبد الله بن جعفر عن حليمة السعدية وعبد الرحمن بن عمرو السلمي عن عتبة ابن عبد، اتفقا على أنه كان مسترضعا في بني سعد، فأما رواية أبي ذر، فرواه الزهري عن أنس عنه، قال كاتبه: معاذ مما يروى عن أبيه وعن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم، وأبي الزبير المكيّ وجماعة، ويروى عنه معاوية بن صالح الحضرميّ وعبد الله بن لهيعة، ومحمد بن عمر الواقدي وآخرون، ذكره ابن حبان في الثقات.
وفي أفراد مسلم من حديث شيبان بن فروخ قال: حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة ثم قال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه- يعني ظئره- فقالوا: إن محمدا قد قتل! فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس: وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره صلّى الله عليه وسلّم.
قال البيهقي: وهو موافق لما هو معروف عند أهل المغازي- يعني وقوع ذلك- وهو مسترضع في بني سعد، وسيأتي في الإسراء حديث مسلم من طريق سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتيت فانطلقوا بي إلى زمزم فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت»، وحديث البخاري من طريق سليمان عن شريك بن عبد الله عن أنس، وحديث البخاري ومسلم عن طريق همام عن قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة، وفيها شق صدره ليلة الإسراء.
وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث يونس عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل فعرج صدري حتى غسله من ماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه». ولأبي داود الطيالسي من حديث عمار بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة ابن الزبير عن أبي ذر الغفاريّ رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله! كيف علمت أنك نبي؟ وبما علمت حتى استيقنت؟ قال: يا أبا ذر، أتاني آتيان وأنا ببطحاء مكة، فوقع أحدهما بالأرض والآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما للآخر: أهو هو؟ فقال: فزنه برجل، فوزنني برجل فرجحته، ثم قال: زنه بعشرة، فوزنني بعشرة فرجحتهم، ثم قال: زنه بمائة، فوزنني بمائة فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف، فوزنني بألف فرجحتهم، ثم جعلوا يتساقطون على كفة الميزان، ثم قال أحدهما لصاحبه: شقّ بطنه، فشقّ بطني فأخرج قلبي، فأخرج منه مغمز الشيطان، وعلق الدم فطرحهما، فقال أحدهما لصاحبه: اغسل بطنه غسل الإناء، واغسل قلبه غسل الملأ، ثم قال أحدهما لصاحبه: خط بطنه فخاط بطني وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن ووليّا عني وكأني أعاين الأمر معاينة».
وفي رواية: «لو وزنته بأمته لرجحهم، وقال: واغسل قلبه غسل الماء، ثم أتيت بسكينة وهرهرة بيضاء فأدخلت قلبي. ولأبي نعيم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتيت في أهلي فأتى بي إلى زمزم، فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم نزلت طست من ذهب قد ملئت إيمانا وحكمة، فحشى بها صدري، قال أنس: فكأني انظر والنبي صلّى الله عليه وسلّم يرى الأثر في صدره».
حدثنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا هدبة وشيبان قالا: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه، أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق بطنه، فاستخرجه، ثم استخرج من قلبه علقة سوداء، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسل القلب في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده مكانه، ثم لأمه. قال أنس: فلقد رأيت أثر المخيط في صدره صلّى الله عليه وسلّم.
وحادث شق الصدر ورد في كتب السيرة باتفاق، فهو في الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: 1 236، كتاب الإسراء، ذكر وصف الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بيت المقدس، حديث رقم (48)، قال محقق الإحسان نقلا عن الحافظ ابن حجر في الفتح: وجميع ما ورد من شقّ الصدر، واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، مما يجب التسليم له، دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحيته القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك. قال القرطبي في المفهم: لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء، لأن رواته ثقات مشاهير، ثم ذكر نحو ما تقدم، وفي المستدرك: 2 673، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4430/ 240)، قال في التلخيص: على شرط مسلم، وفي مسند أحمد: 3/ 571، حديث رقم (11812)، وفي طبقات ابن سعد: 1 112، وفي البداية والنهاية: 2 335- 337، وقد ذكر بعضهم أن الله تعالى خلق في قلوب البشر علقة قابلة لما يلقيه الشيطان فيها، فأزيلت هذه العلقة من قلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقي فيه الشيطان شيئا.